إنبعاث رماد الخطاب اليميني المتطرف في الخطاب السياسي الغربي

In وجهة نظر
عبدالحي كريط:كاتب وباحث مغربي 

شكلت فاجعة ومذبحة نيوزيلندا الأخيرة، التي راح ضحيتها أكثر من 50 مسلم،على يد متطرف يميني صدمة لدى الأوساط السياسية الاوروبية والفكرية والثقافية التي تتبنى الخطاب الديمقراطي، حيث أن هذا الحادث يؤكد على مدى خطورة الأحزاب الشعبوية اليمينية في تهديد التجربة الديمقراطية الغربية التي إحتوت كل الأطياف الشعبية والألوان الثقافية والدينية والذي يشكل حاضنة جيدة في رعاية وحماية حقوق المسلمين أكثر من بلدانهم التي ترزخ تحت نيران الطغيان والديكتاتورية وهضم الحقوق وعدم المساواة في ثروات وخيرات أوطانهم المخطوفة من قبل الأنظمة السياسة العربية المنكوبة.

وكما هو معروف فاءنه بعد صعود نجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الحكم،الذي لايخفى على أحد تبنيه للخطاب الشعبوي وللايديولوجيا اليمينية المتطرفة الذي يقصي الآخر وهو خطاب أشبه بالفكر النازي والفاشي وهذا واضح من خلال تصريحاته المثيرة للجدل حول قضايا حقوق المهاجرين والانتقاص منهم بطريقة قريبة من التهكم والسخرية وليس على النقذ البناء ،وما قراره الأخير ببناء جدار على حدود المكسيك والذي شكل جدالا قويا بين المؤسسة التشريعية الأمريكية التي تمثله الكونغرس،في مواجهة قرارات السلطة التنفيذية بالمكتب البيضاوي الذي سيطر عليه الخطاب اليميني المتطرف إلا دليلا على نوع الرؤية الضيقة للأمور التي تعتمد على خطاب إقصائي متطرف فكان هذا الخطاب منطلقا نحو إحياء حركات وأفكار وتنظيرات اليمين الشعبوي المتطرف بالقارة العجوز ،علما أن الإرهابي الأسترالي صرح في تغريداته العنصرية في تويتر ،على جعل ترامب رمزا للعرق الأبيض النقي بسبب سياساته وتصريحاته المناوئة للآخر.
ولابد من الإشارة إلى أن الخطاب اليميني الشعبوي المتطرف تنامى بشكل كبير في الولايات المتحدة بداية 2009 مع صعود حركة الشاي القومية الراديكالية( teatv party movemente) لأول مرة في الساحة السياسية الأمريكية وكانت مدفوعة بخطر إنتصار باراك اوباما في الرئاسيات والعداء الشديد الذي أظهرته هذه الحركة  ضد برنامج إصلاح الرعاية الصحية الذي دعا إليه أوباما.
هذه الحركة التي تغلغلت في صفوف الحزب الجمهوري والديمقراطي على حد سواء،لكن تأثيرهم في الجمهوريين واضح جدا ،نظرا لنجاح حركة الشاي والتي بالأساس أنشئت داخل الحزب الجمهوري في دفع أعضاء الحزب أكثر نحو التطرف والراديكالية حيث أصبح للحركة نفوذا ليس بالهين في أوساط الكونغرس والذي يعطيها فعليا وفي بعض الأحيان على عرقلة المنظومة التشريعية الأمريكية بالكامل.
ولعل العلامة الأبرز على إنبعاث الشعبوية من جديد في القارة الأوروبية وتنامي أدبياتها وافكارها اليمينية المتطرفة في أوساط الحياة السياسية وفي أوساط بعض النخب،حصول حزب Vox الإسباني اليميني على 12 مقعدا بالانتخابات الجهوية البلدية بإقليم الأندلس، والذي شكل مفاجأة غير سارة للعديد من الإسبان والمهاجرين المقيمين بالأراضي الاسبانية ولقد إعتبرها العديد من المحللين السياسيين والمثقفين الإسبان ناقوس خطر وجرس إنذار في نكوص التجربة الديمقراطية الاسبانية المتميزة، بسبب إنبعاث رماد خطاب الأحزاب اليمينية الراديكالية.
أما في النمسا فقد تمكن اليمين المتطرف في الحصول على ثلاث وزارات سيادية في الحكومة الائتلافية ،الدفاع والخارجية والداخلية ،ولقد إرتكز اليمين المتطرف النمساوي في حملته الانتخابية على قضايا الهجرة واللجوء الإنساني والإسلام فوبيا معتمدا على البروباغندا الإعلامية الغير الموضوعية التي سوقت لهذا البرنامج.
أما في إيطاليا فقد حقق حزب الرابطة اليميني المتطرف الذي يرأسه ماثيو سالفيني فوزا ساحقا في الانتخابات الإقليمية بإيطاليا بجانب حليفته في روما حركة 5 نجوم التي تعتبر اليوم الحزب اليميني الأول في إيطاليا.
أما في فرنسا مهد الحقوق والحريات والمساواة والعدل في أوروبا، فاءن زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان كانت حققت تقدما نوعيا وغير مسبوق في الجولة الثانية من  الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد مانويل ماكرون والذي فاز بها هذا الأخير،خاصة وأن اليمين المتطرف في فرنسا حسب الإحصائيات الأخيرة أضحى أكثر قوة وتماسكا بسبب فشل سياسات ماكرون الأخيرة وماخروج  واستمرار المظاهرات الأسبوعية ( حركة السترات الصفراء) إلا دليل على فشل برنامج ماكرون وبالتالي فاءن الكثير من الفرنسيين ربما سيصوت في الانتخابات المقبلة لصالح اليمين المتطرف.
وفي ألمانيا فاءن اليمين المتطرف بدأ يجد له صدى قوي بين أوساط الألمان والتي تمثله حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الراديكالي والذي يناهض اللاجئين، وأصبح منفتحا على نحو متزايد في العمل مع جماعات يمينية أكثر تطرفا مثل حركة بيجيدا .
إضافة إلى تنامي دور الحركات اليمينية المتطرفة في بريطانيا والدول الاسكندنافية.
فمذبحة نيوزيلندا الإرهابية هي مؤشر واضح على الخطاب المتنامي للكراهية والعنصرية  وكراهية الإسلام التي تغذي نمو الجناح اليميني المتطرف في الغرب،ولتفادي الضرر الشديد الذي قد تلحقه تلك الحركات بالديمقراطية الغربية،ينبغي على المنظومات السياسية على جانبي الأطلسي ،أن تبحث عن قنوات تمر عبرها الطموحات اليمينية الشعبوية التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن العالمي ،والقيام بذلك تحتاج الحكومات لإفساح المجال للشكاوى التي تقودها هذه الموجة ،بينما تقوم بإقناع الناخبين بأن الحلول البسيطة التي يقدمها الشعبويون المتطرفون  مصيرها الفشل لأنها خارجة عن دائرة الواقع والتاريخ.

قائمة الموبايل