الجيل الثالث والرابع يتكونان من الأفراد الذين ولدوا في ألمانيا، وهؤلاء ببساطة لا يعرفون شيئا عن وطنهم ولا عن المجتمع المغربي، وحتى إذا زاره بعضهم خلال العطل لفترة قصيرة ومحدودة مع والديهم، فإنهم بمجرد رجوعهم إلى المجتمع الألماني تنقطع أواصر ارتباطهم بالمناخ الذي خلفوه في مجتمعهم الأصلي، وهم في احتكاك مباشر وعميق مع أقرانهم من الناشئة الألمانية، وفي تفاعل دائم مع طريقة حياتهـم الغـربية، بعيدا عن توجيه الأسـرة في معظـم الأحيان، لأنهم يقضون الجزء الأكبر من حياتهم اليومية في المدرسة أو في مراكز التكوين المهني مع أقرانهم الألمان … وهذا يجعلهم يفقدون العادات والتقاليد المغربية لدى الأسرة؛ خصوصا مع ضعف المستوى الثقافي لدى الجيل الأول، وعدم وجود مراكز مغربية كافلة وفعالة لتوجيههم ورعايتهم.
إن وضعية هؤلاء تتغير باستمرار من أصل مهاجرين مغاربة إلى مواطنين ألمان، يتمتعون بكامل الحقوق التي يكفلها الدستور الألماني، وأصبح بلد الإقامة لا يعتبر لديهم بلدا أجنبيا كما هو في نظر آبائهم واجدادهم؛ تربو في أحضان المجتمع الألماني وتأثروا به فتجدهم يجهلون الكثير من هويتهم ودينهم ووطن أجدادهم، وهذا لا يعني أن هؤلاء قد تحولوا إلى ألمان حتى ولو حصلوا على الجنسية الألمانية، بل أصبحوا يعيشون في وضع معلق بين وضعين، لا هم انتموا إلى الأسرة المغربية وعاداتها وتقاليدها ولا هم استطاعوا أن يكونوا ألمان، فهم تائهون بين الهويتين.
ولكن رغم التجنس والانخراط الجماعي في الحياة السياسية والجمعوية والاندماج في المجتمع الألماني ، فإن هذا كله لا يلغي لديهم روابط التشبث بالأسرة وبلد آبائهم واجدادهم.
قال رئيس ألمانيا السابق السيد كوهلر ” أتمنى أن يقول أكثر عددا ممكن من النسـاء والرجال المسلمين بأنفسهم، هنا وطني أنــا مخلص لهذا البلد، أريـد أن أعيش تبعـا لقـوانينه، أنا مسلم ألمـاني؛ ولكن لا يمكن اختراع الهوية ببسـاطة، حيث أنها تكون دائما نتاجا لعملية طـويلة، يجب أن يترك للماضي فيها مساحة، دون إغلاق الباب أمام المستقبل، لا أحد يمكن أو ينبغي أن يقطع صلاته بأماكن طفولته أو بعائلته بهذه البساطة، ليس بأي حال من الأحوال، لكن من وجد في ألمانيا وطنا جديدا ، وأكثر من ذلك من ولد ونشأ فيها، فإنه ينتمي إلى هذا البلد ويعطي بأصله وتقاليده وثقافته وعقيدته لهذا البلد طابعه، أنه بلده أيضا”.
كلّ التقارير والتصريحات الرسمية في ألمانيا، تؤكّد أن الاهتمام الأكبر سينصب على هذه الفئة من أبناء المهاجرين بصورة خاصة، خصوصا بعد أن باءت محاولات دمج أفراد الجيل الأول والثاني في المجتمع الألماني بالفشل ، لوجود حصانة عقائدية لديهم تمنعهم من الانزلاق إلى الحياة الغربية.
