
السياسة في المجتمعات الديمقراطية يتعلمها الناس في المعاهد والجامعات وتبدأ في المدارس حيث ينتخب التلامذة ممثلا أو ناطقا رسميا باسم المدرسة…
تعد ممارسة السياسة في الجامعة تمرينا صغيرا لممارسة السياسة الكبيرة مستقبلا في البرلمان والحكومة.. فكل طالب له الحق في الترشح سواءا داخل القائمات السياسية الموجودة المرتبطة بالأحزاب أو يمكن تأسيس قائمة مستقلة والترشح باسمها في إطار الديمقراطية….
وفي كل جامعة تحدث انتخابات حرة كل سنة لانتخاب مجالس الكليات وبرلمان الطلبة ومجلس الادارة أو مايسمى مجلس الشيوخ…
هذا شيء رائع تشرفت بأن أكون عضوا في البرلمان وكذلك عضوا في مجلس كلية الفلسفة وعضوا في مجلس الادارة التي يجلس فيها 4 طلبة فقط ممثلين عن الطلبة بجانب الأساتذة ورئيس الجامعة وعمداء الكلية وكان دور مجلس ألشيوخ تحديد سياسة الجامعة …
كانت تجربة رائعة تناقش فيها السياسة بهدوء بعيدا عن التشنج . فالجميع يجلسون مع بعضهم وهم مختلفون وعندما تريد قائمة سياسية ما مناقشة مشروعا ما أو لا ئحة ما فإن الأمر يتطلب نقاشا طويلا يدوم أشهرا طويلة قبل عرض المشروع للنقاش العام…
في أجواء خلق فكرة المشروع تتغير العلاقات ويصبح العدو السياسي الذي عمل على تشويهك ولا يريد أن يراك جالسا في مؤسسة ما يصبح فجأة صديقك ويستدعيك لشرب فنجان من القهوة…
إنها السياسة الماكرة والقذرة التي يريد فاعلوها في النهاية الحصول على الأصوات وأخذ الدعم وهذا يتطلب التفاوض الماراطوني المبكر منذ خلق فكرة المشروع المزمع طرحه للنقاش العام..
في ظل النقاش العام والمفاوضات التي لا تستثني أحدا يتم التفاوض بلغة المصالح المتنوعة التي تترجم إلى لغة أعطني وخذ. هذه هي المصالح والوعود بالدعم في المستقبل القريب من أجل كسب الأصوات والدعم بحيث يدخل أصحاب المشروع أو اللائحة يوم التصويت وهم واثقون من نيل الأصوات الكافية. وتلعب المفاوضات الطويلة دورا حاسما في تعديل المشاريع واللوائح المقدمة وكذلك جس النبض للإجابة عن السؤال هل تمر اللائحة أم لا.
ومن الصعب جدا أن يتم تقديم لائحة أو مشروع بهدف تسجيل الأهداف السياسية على الآخر لأن الأمر سيكون فضيحة وسيقرأ آلاف الطلبة عن كل الجلسات وسيصوتون في الانتخابات القادمة ضد القائمة التي قدمت لائحة أو مشروعا ضد مصالحهم ومن أجل مصلحة القائمة الأنانية.
ولهذا تتناسب المشاريع المقدمة للنقاش العام جوهر أولويات الناس ومطالبهم لا مصالح القا ئمات وتسجيل الأهداف السياسية.
في الجانب الآخر وفي المجتمعات التي حكمتها الأنظمة المستبدة والتي خلقت مناخا آخر محكوما بالكره والاقصاء والاستئصال تمارس السياسة بوصفها سلوكا يتم على أرضية إقصائية بحتة لا تفهم ولا تمارس العملية السياسية بوصفها إطارا للجميع المختلفين والممثلين للكل المشترك الوطني ولكن في إطار كل حزب بما لديهم فرحون فلم يجتمع الطلبة في كل الجامعات العربية مع بعضهم يوما ما تحت سقف أو مظلة ديمقراطية لمناقشة مشاكل الجامعة المختلفة وبدل ذلك تم تأسيس اتحادات طلبة مختلفة ومتنوعة ومنافسة وكارهة لبعضها وتم استعمال كل شيء عنيف في الجامعات من سكاكين وهراوات وعنف وفي النهاية تم عسكرة الجامعات.
ولعبت الأنظمة المستبدة دورا مهما في توظيف ما يحدث لمزيد المراقبة والعسكرة ولعبت الأحزاب السياسية كذلك دورا بارزا في المحافظة على ذلك الوضع المشحون لأنه الوضع الذي يصنع لها قياداتها في المستقبل.
الجامعة ودورها الريادي في إصلاح الأوضاع الشاملة وصناعة المعرفة والتقدم والرفاه الاجتماعي فلتذهب الى الجحيم. الأولوية للأحزاب والانتشار .
سوف يتحقق الرفاه عندما تصل الأحزاب إلى السلطة بالانقلابات أو عبر الديمقراطية….
إن هذا المناخ المتوتر الذي حكم العلاقات بين المختلفين والذي لم تجلس فيه العائلات السياسية المختلفة على طاولة واحدة في ظل دينقراطية يتم فيها التداول على السلطة وتعلم التربية الديمقراطية القائمة على الاستماع والمناقشة واحترام الخصم وتعلم فن المفاوضات السياسية هو بمثابة الحقل الاجتماعي الذي يساعدنا على فهم سلوك الطبقة السياسية اليوم التي تعطي فكرة سلبية تترجمها ممارساتها الغير المسؤولة والتي تعبر عن مأساة أجيال كاملة تربت في مناخات مستبدة ستكون نتائجها كارثية على المستقبل.
في النهاية يمكن الاستعانة بمقولة العلوم السياسية والتي مفادها أن السلطة السياسية تنتج المعارضة التي تناسبها فإذا كانت السلطة السياسية ديمقراطية فستكون المعارضة ديمقراطية وإن كانت السلطة السياسية غير ذلك فستكون المعارضة غير ذلك كذلك..