للغة العربية مكانة رفيعة وعظيمة ولا وجود لأجمل منها على الأرض، كما أنه لا وجود لأمة على وجه الأرض تسعى إلى تفتيت حضارة لغتها وشل تطورها، عن وعي أو غير وعي، أكثر من الأمة العربية..لغة تجعل معرفتك بها لا تساوي شيئا أمام علوم بحرها الممتد والعميق، دائما تكتشف صراعك مع نفسك وأنت تجابه لغة عالمية باعتراف هيئة الأمم المتحدة ووكلائها، التي وضعتها في المركز السادس دوليا. أقول هذا منحنيا لها وباحثا في إحدى ظواهرها التي اخترت أن تكون الظاهرة الصرفية، هي المحطة التي يمكن من خلالها القيام بإطلالة على حمولة علم الصرف الذي وجدت أن فلكه يدور حول مفهوم الجذر اللغوي العربي، وما يتفرع منه من أسماء و أفعال داخل سياق محصور بأحرف ثلاثة، لها معنى مجرد، الفاء والعين واللام. سياق مرن يحقق المعنى المجرد للكلمة في صيغة إسم أو فعل متداول وملموس وصحيح، وذلك يتم عبر دمج الجذر المجرد وتحقيق معناه عن طريق الوزن الذي يعد ركيزة أساسية للاشتقاق الصرفي.
وعندما نتكلم عن الوزن نستحضر وجوب وجود أداة لوزن الكلمات، ووضع ما يعادلها من حروف وزنية تتم بها عملية الوزن المضبوط لكل أسماء وأفعال اللغة العربية، وتقودنا إلى معرفة كاملة بأحوال أبنية الكلام. هذه الأداة هي ما سموها الصرفيون بالميزان الصرفي. ميزان وضع في زمن كثر فيه اللحن وغابت فيه الحركات الضابطة لحروف اللغة العربية، زمن وجد نفسه في حاجة ماسة لمعيار يضبط النطق السليم للأسماء والأفعال أثناء استعمال المفردة التي عادت بموجبه مادة طيعة ومرشدة نحو البحث عن معنى الأصل الثلاثي وما يتفرع عنه من معان مختلفة تحدثها الزيادات المضافة إلى الجدر.
وبما أن الزيادة أسهل من الحذف اعتمد في الوزن على الثلاثي بدل الرباعي والخماسي لكون مخارح حروف الجذر الثلاثة لدى اللغة العربية – حسب تصور علماء الصرف- تظهر في حلقية العين ولام اللسان وفاء الشفتين، ولذلك احتاج الصرفي في عمله إلى ميزان يعرف به عدد حروف الكلمة وترتيبها، وما فيها من أصول وزوائد وحركات وسكنات، وما طرأ عليها من تغييرات. وأثناء بحثنا وجدنا أن سيبويه لا يستعمل كلمة وزن في كتابه بل عبر عنها بكلمة بناء، حيث دون بأن ” الأفعال تكون من هنا على ثلاثة أبنية: فَعَل يَفْعُل، وفَعَل يَفْعِل، وفَعِل يَفْعَل. ويكون المصدر فَعْلا، والإسم فاعلا.” 1 مسهبا في قوله بأن العرب ” يبنون الأشياء إذا تقاربت على بناء واحد، ومن كلامهم أن يدخلوا في تلك الأشياء غير ذلك البناء” 2 وفي كل الأحوال الدالة على هذه الأداة الصرفية، يبقى الالتزام بقواعد الميزان الصرفي وأحكامه زادا ضروريا لكل باحث في تفريعات الكلمة العربية، وتموجاتها الدلالية المحدثة، نتيجة ما يطرأ عليها من زيادات أو تأخير أو تقديم أو حذف في سياقات كلامية متعددة، لأن فائدة هذه الأداة تكمن في كونها تساعدنا على معرفة أصول الكلمات التي يعتمد عليها الوزن الصرفي في اللغة العربية.
وإجماعا تم الاتفاق على أن أبا عثمان المازنى المتوفي سنة 274هـ هو أول من ساهم في استقلالية كاملة لعلم الصرف عن علم النحو والمتجسد في كتابه (التصريف)، وممن ذكر ذلك صاحب مفتاح السعادة؛ إذ يقول: “إن أول من دوَّن علم الصرف أبو عثمان بكر بن محمد بن حبيب المازنى، وكان قبل ذلك مندرجًا فى علم النحو”( ). كما أجمعوا على أن المعيار المتخذ لوزن الكلمة هو “ف.ع.ل” وبموجبه وصل الباحثون الى التفريق بين أربعة أنواع من الأوزان، أولها الوزن الصرفي الخاص بمعرفة أحوال الكلمات، بحيث يقابل اللغويون كل حرف من حروف الإسم المتمكن المعرب أو الفعل المتصرف بحرف من حروف الجذر الذي هو “فعل”. أي البحث في أصل الكلمة الافتراضي الذي يطابق الاستعمال اللغوي في غالبيته أو في أصل الكلمة الافتراضي الذهني كما هو معلوم في بناء الفعل الأجوف مثل صام وقام… والتحولات الطارئة عليه رغم عدم تأكيده استعمالا ومنطقا، كما هو الشأن عند زيادة تاء الافتعال في مجموعة من الأفعال رغم عدم ظهورها بالفعل مثل اصطبر. وثانيها الوزن المقطعي الذي لا يعير أهمية للأصول الإفتراضية، إذ يقوم على ماهو واقعي وملموس في الكلمة، أي على أصغر وحدة صرفية يحدثها مقطع صوتي، وبالتالي تصبح أوزان كل من “صام وجال” محصورتين في مقطعين [صا] [م] و [جا] [ ل] . وثالثها الوزن العروضي ذو الأوزان الخماسية والسباعية يمكن أن يتعدى المفردة إلى ما يليها لتتمة الوزن، عكس الوزن الصرفي الذي لا يتعدى درسه كلمة واحدة مستقلة عن التي قبلها وعن التي بعدها . ورابعها الوزن التصغيري المتخصص في الكلمات المصغرة على وزن فُعَيْل كأن نقول رجيل أو على وزن فويعل كأن نقول كويتب.