كتب الشاعر جبران خليل جبران «إن أولادكم ليسوا أولادًا لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها». كل طفل هو هبة، وكل طفل بذاته فريد. غير أن بعض الأطفال يختلف عن ما توقعه الوالدان. ما المقصود بمصطلح الإعاقة؟ قد تكون إمكانيات الحركة محدودة لدى بعض الأطفال. وربما هم بحاجة إلى كرسي متحرك. بعض الأطفال يعاني من الصمم أو لديه ضعف ما في قدرته على السمع. وهنالك بعض آخر مصاب بضعف نظر أو أنه كفيف البصر. بعض الأطفال يحتاج عند التعلم إلى وقت أكثر من غيره، والبعض الآخر متأخر في النمو بشكل واضح. هناك أطفال لديهم صعوبة في الكلام. وبعض الأطفال لديه سلوكيات لا يمكن فهمها إلا بصعوبة وتشكل تحديًا لمحيطه.
وهنالك أطفال يحتاجون إلى مساعدة مكثفة طوال حياتهم. يتحدث الأطباء والمختصون عن وجود إعاقة عندما يعيق هذا الخلل الأشخاص المعنيين في معيشتهم وفي إنجاز مستلزمات الحياة اليومية على مدى فترة طويلة من الزمن أو بشكل دائم. وتشكل الإعاقات الخلقية النسبة الأصغر من الإعاقات، فالمشاكل التي يمكن أن تطرأ أثناء الولادة، أو الحوادث أو الأمراض يمكنها أن تؤدي أيضًا إلى الإعاقة. بعض الإعاقات يمكن التعرّف عليه مباشرة، على سبيل المثال لدى وجود عاهات ما أو لدى نمو أجزاء من الجسم بشكل جزئي فقط أو عدم نموّها نهائيا. لكن المرء لا يلحظ وجود إعاقة لدى الكثير من الأشخاص. وبالرغم من ذلك يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى الدعم وبدرجات متفاوتة.
أما طبيعة الدعم الذي يحتاجه الفرد المعاق، فتتعلق بأحواله المعيشية. الحياة في ظل تحديات جديدة عندما أخبرنا طبيب الأطفال بأن ابننا الثاني مصاب بمتلازمة داون، أصبنا بخيبة أمل مريرة. «فرابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة والسرور. والحبّ الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهِرًا وجميلاً وخالدًا» كما يقول جبران خليل جبران. وكذلك كان الأمر لدينا حيث انبثقت المحبة والقوّة والتفاؤل من الحزن والقلق إزاء المستقبل. شجعتني والدتي بقولها: «عليك أن تتخلي عن الشعور بالذنب! والإعاقة ليست عقابًا». كما زارنا أصدقاؤنا وجلبوا معهم هدايا للطفل. وهم يبقون أيضًا عند ابننا لرعايته عندما نحتاج ذلك بسبب ضيق الوقت، كما يرافقوننا في رحلاتنا في الإجازة. زوجي أحب ابننا على الفور.
وبعد ثلاث سنوات أنجبنا ابننا الثالث ونحن أسرة سعيدة وفخورة بجميع أبنائها. خذوا حقكم واحصلوا على المساعدة! لا بد من الاعتراف بأن الحياة اليومية مع شخص معاق في الأسرة ليست سهلة دائمًا. فزيارات الأطباء، والمكوث المتكرر في المستشفى، والعلاجات، والتعامل مع الإدارات الحكومية وشركات التأمين الصحي ومختلف المؤسسات يكلّف الكثير من الوقت والجهد. إن أشقاء وشقيقات الطفل بحاجة إلينا. والجدّان والعائلة والأصدقاء يرغبون بالإطلاع على الأمر. ولا بد لنا من تدبير منزلنا بشكل مشترك ومن أن نفلح في عملنا المهني. كما نحتاج أيضًا إلى وقت وحيز لنا كزوجين ومن أجل متابعة اهتماماتنا. لكننا لسنا وحدنا، فعائلات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم حق الحصول على المساعدة بحسب القانون! لذا اطلبوا المشورة للإطلاع على إمكانيات الدعم الذي تملكون الحق في الحصول عليها، ولا تترددوا من الاستفادة من هذه الإمكانيات! وكل هذه الإمكانيات بغض النظر سواء تعلّقت بمسكن يتناسب مع ظروف المعاق، أو تعلّقت بوسائل المساعدة التقنية، أو بالمساعدات المالية، على سبيل المثال عن طريق شركات تأمين الرعاية، أو تخفيض الضرائب أو دعم الأسر، لا يمكن إيضاحها وتحديدها إلا بحسب الحالة الفردية وبشكل أفضل من خلال التوجه الشخصي إلى الجهات المعنية والحديث المباشر معها. المعاقون لهم مستقبل من الممكن أن يشكّل طبيبكم الملاذ الأوّل! أما الجهات المسئولة الأخرى فهي الجهات الحكومية، ومكاتب المشورة، والمراكز الاجتماعية الخاصة برعاية الأطفال أو مراكز الدعم المبكر وجمعيات المعاقين. حيث تستطيعون من خلال هذه المؤسسات أن تتعرفوا على إمكانيات المساعدة الملموسة التي يمكن أن تحصلوا عليها وعلى كيفية ومكان تقديم الطلبات لتحقيق ذلك. تزودكم هذه المؤسسات بالمعلومات اللازمة المتعلقة بإمكانيات الدعم، والمتعلقة بخدمات مساعدة الأسرة والآفاق المستقبلية الخاصة بالطفل ذي الاحتياجات الخاصة وبأسرته. وتجيبكم عن أسئلة مثل: ما هي دور الحضانة والمدارس التي تنساب احتياجات طفلكم؟ أين يمكن العثور على عروض مناسبة لملء أوقات فراغه؟ ما هي السبل المتوفرة لكي ينخرط في العمل؟ ما هي المساكن المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وأين يجدونها إذا احتاجوا إلى مساعدة في هذا الصدد؟ وما هي الإمكانيات المتاحة، عندما نرحل نحن الآباء والأمهات عن هذه الدنيا؟ لا تدعوا مجالاً لتثبيط هممكم عندما تبدو لكم الجهات المسئولة وكأنها أبواب مغلقة لا يمكن تجاوزها! هذه الحال هي حال الكثير من أولياء الأمور.
اصطحبوا معكم شخصًا ينال ثقتكم، لكي يساعدكم أو يترجم لكم إن لزم الأمر! أنتم لا تطلبون هبة أو منحة أو منة من أحد، بل تسعون للحصول على حقوقكم المدنية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق المعاقين. أين تجدون أناسًا يفهمونكم معظم الآباء والأمهات يواجهون تحديًا كبيرًا ويمرون بفترة مؤلمة إلى أن يتقبلوا أن الإعاقة سترافق طفلهم مدى الحياة. وليست المواقف الاجتماعية وحدها سبب هذه الصعوبات، إنما أيضًا الأحكام المسبقة لديكم كأولياء الأمر. أنتم تشعرون بخيبة الأمل وبالحزن لأن طفلكم يختلف عما كتم تتمنون كما لا تعلمون ما يخبئه المستقبل. أعرف من خلال تجربتي الشخصية، مدى الفائدة التي يمكن تحقيقها من خلال مجموعات المساعدة الذاتية.
حيث يشعر الوالدان في هذه المجموعات بأن الآخرين يفهمونهما، كما يمكنهما هنا تبادل الخبرات والمعلومات. والكثير من العائلات كوّنت بهذه الطريقة صداقات تدوم مدى العمر. حياة خاصة لكل فرد من أفراد العائلة ينبغي النظر إلى اهتمامات الوالدة والوالد والأطفال سواء كانوا ذوي احتياجات خاصة أم لا على أساس المساواة. إذا خصّص الوالدان ما يكفي من الاهتمام لأطفالهما غير المعوقين ولم يحملوهم أكثر من طاقتهم، عندها تتوفر للأطفال فرصة جيدة لتحقيق تطوّر مستقل. وكلما تمتع الأشقاء والشقيقات بالثقة بالنفس وكلما كانوا أكثر اعتمادًا على النفس، انعكس ذلك بشكل إيجابي على قدرتهم على تقبّل الأخ المعاق أو الأخت المعاقة كما مكنهم ذلك من الاستفادة من العيش مع شخص ذي احتياجات خاصة باعتبار ذلك فرصة شخصية مفيدة للتطوّر الذاتي.
لدى الأطفال المعوقون احتياجات خاصة. إلا أنهم قبل كل شيء أطفال مثل الآخرين، لهم حقوق وعليهم واجبات. هم يريدون المساعدة، ولكن أيضًا يريدون أن يُحفـَّزوا. التربية التي تتضمن الحب والصبر والحسم تجعلهم واثقين من أنفسهم وتساعدهم. إنهم يحتاجون إلى الثقة بقدراتهم الخاصة، لكي يستطيعوا تطوير أنفسهم. ويريدون خوض التجارب للعثور على طريقهم الخاص. ومن وظائف المجتمع أن يضمن تعايش كل الناس فيه على أساس التكافؤ. ومن واجبه توفير الوسائل اللازمة والحدّ من الشروط المعيشية المعيقة لذلك. بهذا يكون المعاقون جزءًا من المجتمع من البداية وفي كل مكان.
الصورة: Dieter Schütz_pixelio.de Christiane Müller-Zurek/ Arbeitskreis Neue Erziehung e.V/