سوسن بنت في العقد الثاني من عمرها، أخذت من اسمها صفات الروض الأخضر وصفاء الجو وعبق الورد ونبع الشهد الكائن في أعماق بحر المسؤولية التي تحملتها منذ كانت طفلة صغيرة، حيث استمدت طاقتها من قوة الأمل الدفين في ذات البراءة الموجودة في برعمة الطفولة الجميلة.
هاهي تعود لتلقي ببقايا تعب النهار على فراش التأمل والرجوع بذكرياتها الى الماضي البعيد ونزف السنون. فقد جلست قرب المدفأة في يوم شتاء شديد البرودة بجانبها شمعة تضيء بها المكان المظلم كظلام ليل في غسقه، كانت تتأمل الضوء المنبعث من تلك الشمعة بعينين دامعتين، تنظر الى اليها وهي تحترق من اجل اضاءة المكان وانارته للغير، وهو ما يعبر عن مدى التضحية التي قدمتها سوسن أيضا من أجل عائلتها التي كانت تتكون من أب سكير وأم مريضة طريحة الفراش واختين صغيرتين لم تبلغا بعد السن الرابعة، فماكان على سوسن الا أن تعمل لتعيل عائلتها البائسة وهي في سن السابعة.
كانت مع كل قطرة تنزل من الشمعة تنزل معها دمعة من عيني سوسن تصاحبها ذكريات من تجاويف الفكر عندما كانت تسابق الرياح في طريق الألفة الأبدية لنبض الحياة وهي تتحلى بمجد الانتظار في ساعات الأمل الملقى على عاتق الجد والعمل من أجل اعالة عائلتها.
اما الان فهي مرمية في غرفة أجرتها للاقامة فيها بعد وفاة أمها وزواج اختيها ومرض الالتهاب الرئوي الذي أصابها، لتبقى سوسن حبيسة مرضها في هذه الغرفة مع حديث الصمت في ظل صمت الأمل، لتنزل اخر دمعة مع اخر قطرة من الشمعة مودعة حياة غير منصفة وتصعد روحها الى بارئها أين العدل والانصاف.
عفاف بايزيد- تبسة- الجزائر
Bild:darksouls1/pixabay.com/CC0 Creative Commons